كلُّ إناءٍ بما فيهِ ينضحُ هو مثل عربي قديم وجميل ومعبر جدا، وقد تناقلته الألسن من قديم الزمان حتى اليوم، وفي هذا الموضوع سنشرح قصة وأصل ومعنى هذا المثل العربي البليغ والمبعر.
ونرجو ان تتأمل هذه القصة الواردة بالموضوع حتى تستفيد من مغزاها وتدرك الحكمة والعبرة من صياغة المثل العربي، فأبق معنا، وقراءة ممتعة:قصة مثل كل إناء بما فيه ينضحيحكى أنه في قديم الزمان كان هناك ثلاثة أشخاص كانوا مسافرين يمشون سوياً على الطريق في الصباح الباكر، فرأوا من بعيد شخصاً يقوم بحفر بئر على جانب الطريق.
فقال الشخص الأول: "شاهدوا ذلك الرجل إنه يحفر حفرة في هذا الوقت المبكر من اليوم فقد يكون قتل شخصا ما وأراد أن يدفنه في هذه الحفرة حتى لا يراه أحد".
أما الشخص الثاني فقال: "لا أتفق معك، لا بد أنه ليس بقاتل، وإنما هو شخص بخيل لا يعطي ثقته لأي أحد فقام بإحضار ماله وأراد أن يخفيه في تلك الحفرة".
أما الشخص الثالث فقال: "لا هذا ولا هذاك، إنما هذا الشخص شخص طيب وكريم أراد أن يحفر بئر للمياه حتى يشرب منه الناس الذي يمرون على الطريق، فجاء وبدأ في حفر تلك الحفرة في الصباح الباكر".
وقد سمعهم شيخ كبير في السن كان يرعى غنمه بالقرب منهم ولم يلاحظوا وجوده، فقال: كل إناء بما فيه ينضح. فسمعوه وإنصرف هو لحال سبيله. فاصبحت مقولة الشيخ مثلا بليغا ومعبرا تتداوله الألسن بعد ذلك.
العبرة من القصةنستنتج من هذه القصة أن كل إنسان يرى الناس بعين طبعه، وأن كل إنسان يتوقع ما يقوم به الناس من أفعال حسب تفكيره وأخلاقه، فيرى الفعل السيء والفعل الجيد حسب فرضياته وتوقعاته الناجمة عن مجتمعه الذي ينخرط به، ومن هنا جاء هذا المثل كل إناء بما فيه ينضح.
- يعني إذا كان في الإناء عسل سينضح بالعسل، وإذا كان في الماء سينضح بالماء، وإذا كان فيه القطران سينضح بالقطران، وإذا كان فيه الخمر سينضح بالخمر ..الخلا يحمل هذا المثل العربي القديم معنى واحد، بل يحمل معنيين حسب سياق الكلام، أولهما، وهو الظاهر الذي يتبادر إلى الذهن: أن كل أحد يُظهر ما في باطنه، حتى وإن أخفاه، وأما الثاني فهو: أن كل إنسان يرى الناس بعين طبعه.
ويضاف معنى أخر للمثل وهو من يُجازى من جنس عمله، وهذا الذي قصده شاعر الحيص بيص (لقب شاعر)، عل عكس ما ذهب إليه الخفّاجي، فحيص بيص يدِل بالتفاوت بين الجماعتين، ويعتز بالعفو والصفح، فكيف يجازيهم من جنس عملهم؟
معنى ينضح في القواميس العربيةنضَح الماءُ: سالَ ورشحَالنَّضَحُ : ما ترشَّشَ من الماءِ أو نحوه عند نَضْحِهتَنَضَّحَتِ العَيْنُ: نَضَحَتْ، أَيْ فارَتْ بِالدَّمْعِاِنْتَضَحَ الماءُ على الجِدارِ: تَرَشَّشَاِنْتَضَحَ الرَّجُلُ بِالطِّيبِ أَوِ الماءِ : رَشَّ شَيْئاً مِنْهُ على جَسَدِهِ أَو ثَوْبِهِأَنْضَحَ الشَّجَرُ : تَفَطَّرَ لِيُخْرِجَ بَراعِمَهُ وأَوْراقَهُإِنَاءٌ نَضُوحٌ : إِنَاءٌ يَرْشَحُ بِمَا فِيهِقَوْسٌ نَضُوحٌ بِنِبَالٍ : قَوْسٌ شَدِيدَةُ الرَّمْيِمزادةٌ نَضُوحٌ: تنضح بالماءوقوسٌ نضوح: شديدةُ الحَفز والدَّفْع للسهمأَنْضَحَ عِرْضَهُ : لَطَّخَهُ، أَفْسَدَهُ، مَسَّ شَرَفَهُفيما يضرب مثل كل إناء بما فيه ينضح ؟كثيرًا ما يرد مثل "كل إناء بما فيه ينضح" في معرض الإشارة إلى الإنسان السلبي، فالإنسان كالإناء إذا ما امتلأ بالغَيرة والحقد وتصيد السلبيات، فلا يمكن إلا أن يفيض بالسلبية، مهما حاولنا أن نحول دون ذلك.
كما إن هذا المثل العربي القديم يرد إيجابيًّا، فالفاضل لا يصدر منه إلا الفضل، وهذا كمثل قول الناس أيضا: "ما بيطلع من المليح إلا المليح"، و"الثمرة لا تبعد عن الشجرة"، ولم يستطع أحد أن يحدد أول من قال العبارة، خاصة وأن هذا المثل العربي وُرد في الكثير من كتب الأمثال.