وتأمل قوله تعالى: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ}؛ يعني: أُبْعِد عنها، وأُنْجِيَ منها، {وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ} لأنه في الآخرة إما جنة، وإما نار، لا ثالث لهما. وتأمل أيضًا: هذا الوصف؛ وصف الإبعاد عن النار: {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ} فهو أمر ليس باليسير؛ فدلالة هذه اللفظة تبيِّن أن الأمر يحتاج إلى معالجة، وإلى صبر ومصابرة، فكأنما هذا الإنسان حين يُبعَد عن النار ليس في لحظة واحدة، وإنما هي بالزحزحة التي تقتضي شيئًا فشيئًا، وهذا لعِظَمِ الأمر وثِقَلِه، وأنه ليس بالشيء اليسير. والعِتْق من النار: هو النجاة من النار والفوز بالجنة، وهو أعلى درجات التحريم من النار؛ ومعنى العِتْق من النار: أي: أن الله تعالى يقضي ألَّا يدخل العبدُ النارَ أبدًا، كما أنه يأمن من الفزع الأكبر ومن عذاب القبر؛ قال العلماء: والعِتْق أرقى من المغفرة؛ فإن المغفرة تعني أن الذنوب تُمحى، لكن الإنسان بعد المغفرة قد يأتي بذنوب أخرى ثم يدخل النار، أما العِتْق فإنه لا يدخل النار أبدًا، مهما ارتكب من الذنوب والخطايا بعدها فإنها تُغفر له؛ وذلك لأن الله يعلم ما كان من العبد، وما يكون، وما هو كائن؛ فالمغفرة: تؤمِّن الماضي، والعِتْق: يؤمِّن الماضي والمستقبل،ومن علامات العبد المعتوق: أنه يُوفَّق للتوبة، فتراه يسارع بالتوبة، والندم والاستغفار بعد كل ذنب يرتكبه، حتى يلقى الله تعالى وهو على هذا الحال. فإن أغلى أمنية للمؤمنين الصالحين، وغاية ما يأمُله الصالحون، ويشتاق إليه المشتاقون: أن تُعتَق رقابهم من النار، فكل بلاء دون النار عافية؛ قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}