إن يوم العيد جعله الله تعالى بهجةً للمسلمين، وفرحةً لهم، فيه يتقابلون ويتزاورون ويتواصلون ويفرحون، وقد شرع لنا النبي صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم العظيم أحكامًا، وسنَّ لنا سننًا وآدابًا.
1- تجديد النية:
وذلك بناءً على أنه ينبغي إحسان النية يوم العيد، فينوي بخروجه للصلاة الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ينوي في لباسه الجديد الاقتداء بأمره صلى الله عليه وسلم، وإظهار الفرحة بالعيد الذي شرَعه الله تعالى للمسلمين، وينوي بزيارته لأقاربه صلة الرحم، وإدخال البهجة عليهم، وهكذا.
2- الاغتسال والتطيب يوم العيد:
حتى يكون المسلم وسط جموع المسلمين نظيفًا طيب الرائحة، فلا يتأذى منه أحد من المصلين، فكما أن المسلم يغتسل يوم الجمعة لتكون رائحته طيبة، فكذلك يغتسل للعيد، سأل رجل عليًّا رضي الله عنه عن الغسل، فقال: اغتسل كل يوم إن شئت، فقال: لا الغسل الذي هو الغسل، قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، ويوم الفطر.
3- لبس الثياب الجديدة يوم العيد:
يُسن للمرء إذا كان مستطيعًا يلبس ثيابًا جديدة، ففيها إظهار لنعمة الله تعالى على عبده، وفيها إظهارٌ للفرح بالعيد، والله جميل يحب الجمال، وقد اشترى عمر جبةً من إستبرق للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يتجمل بها في العيدين، ورفضها صلى الله عليه وسلم لكونها من حرير، وإن كان قد أقره على أصل التجمل.
وكان ابن عمر: يلبس أحسن ثيابه في العيدين؛ روى الطبراني في الأوسط بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس يوم العيد بردة حمراء".
4- أكل تمرات قبل الخروج من البيت يوم الفطر، وعدم الأكل يوم النحر قبل الذبح:
وهو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه عليه الصلاة والسلام: "كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات"، وأيضًا فإنه صلى الله عليه وسلم: "كان لا يأكل يوم الأضحى حتى يرجع فيأكل من أضحيته".
5- التبكير إلى العيد:
فإن ذلك من السنة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع لننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم قدَّمه لأهله، وليس من النسك في شيء".
وقد بوَّب البخاري لهذا الحديث في صحيحه فقال: "باب التبكير إلى العيد"، قال ابن حجر في الفتح: "وهو دال على أنه لا ينبغي الاشتغال في يوم العيد بشيء غير التأهب للصلاة والخروج إليها، ومن لازِمه ألا يُفعل قبلها شيءٌ غيرها، فاقتضى ذلك التبكير إليها".
6- إخراج النساء للمصلى:
حتى من كانت حائضًا، يشهدن الخير، ويجدنَ بهجة العيد، ويشاركن الناس فرحتهم، غير أن الحُيَّض يعتزلنَ الصلاة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: "أمر بإخراج العواتق وذوات الخدور والحُيض، وأما الحُيَّض فيشهدن الخير، ودعوة المؤمنين، ويعتزلن المصلى"، وجاء في رواية مسلم " فيعتزلن الصلاة..."، وهذا الحديث عمدة لكثير من الفقهاء في أن صلاة العيد واجبة على النساء والرجال.
7- إخراج الصبيان للصلاة كذلك:
وذلك حتى يشعروا ببهجة العيد، ويفرحوا به إذا لبسوا الجديد وخرجوا إلى المصلي، فشهدوا جمع المسلمين، حتى من كان منهم لا يصلي لصغره، قال ابن عباس رضي الله عنهما: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى، فصلى، ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهنَّ وذكَّرهنَّ، وأمرهنَّ بالصدقة".
ففيه دليلٌ على خروج الصغار إلى مصلى العيد، والنبي صلى الله عليه وسلم: "كان يأمر بناته ونساءه أن يخرجنَ في العيدين".
8- الخروج للصلاة ماشيًا:
فإن هذا من السنة، والنبي صلى الله عليه وسلم: "كان يخرج إلى العيدين ماشيًا، ويصلي بغير أذان ولا إقامة، ثم يرجع ماشيًا في طريق آخر،" وهذا مستحب ما لم يتعذر على المصلي المشي بسبب بُعد المصلى جدًّا، أو شدة الحر أو شدة البرد، أو وحل أو مطر، أو نحو ذلك.
ففي ذلك كثرة اللقاء بالناس ومظنة التواد والتعارف ونحو ذلك، وفيه مضاعفة لآثار العبد، فإن الأرض تشهد لمن مشى عليها.
9- التهليل والتكبير بصوت مرتفع حتى المصلى:
أي: من حين خروج المرء من بيته وحتى بلوغه المصلى، فإن في هذا إظهارًا لشعائر الاسلام، وإشعارًا للناس بأن اليومَ يومٌ مختلِفٌ عما قبله وعما بعده، فإنه صلى الله عليه وسلم "كان يكبِّر يوم الفطر من حين يخرج من بيته حتى يأتي المصلى".
وكذلك فإنه صلى الله عليه وسلم: "كان يخرج في العيدين رافعًا صوته بالتهليل والتكبير".
واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان لا يصلي قبل العيد شيئًا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين" فمن السنة إذا وصل إلى المصلى أن يجلس ولا يصلي، بل ينشغل بالذكر والتهليل والتكبير.
واعلم أنهم ما كانوا يؤذنون للعيد ولا يقيمون، ولكن يقومون للصلاة إذا قام الإمام أو رأوه، عن جابر رضي الله عنه أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإمام، ولا بعد ما يخرج، ولا إقامه ولا نداء ولا شيء".
"وكان رسول الله صلى الله عيه وسلم يخرج يوم الفطر مقابل الناس - والناس جلوس على صفوفهم - فيعظهم، ويوصيهم، ويأمرهم، فإن كان يريد أن يقطع بعثًا قطعه، أو يأمر بشيء أمر به، ثم ينصرف".
وكان يخص النساء بموعظة؛ كما في حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فبدأ بالصلاة، ثم خطب الناس بعد، فلما فرغ نبي الله صلى الله عليه وسلم، نزل فأتى النساء فذكَّرهنَّ وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبَه يُلقي فيه النساء صدقة"، قال ابن جريج: "قلت لعطاء: أترى حقًّا على الإمام الآن أن يأتي النساء، فيُذكرهنَّ حين يفرغ؟ قال: إن ذلك لحق عليهم، وما لهم ألا يفعلوا؟".
وقد دل على ذلك أحاديث أخرى غير ما ذُكر، فينبغي لخطباء العيدين أن ينتبهوا لمثل هذا الأمر، وألا يستحيوا من تطبيق هذه السنة، وفي الحديث الحث على الصدقة خاصة في هذا اليوم العظيم.
10- عدم ذبح الأضحية إلا بعد صلاة العيد:
وذلك في عيد الأضحى، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع لننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل ذلك، فإنما هو لحم قدَّمه لأهله، وليس من النسك في شيء".
فدل الحديث دلالة واضحة على أن السنة عدم ذبح الأضاحي إلا بعد الفراغ من صلاة العيد.
11- مصافحة المصلين وسائر المسلمين وتبادلهم التهاني فيما بينهم:
وذلك مما يدخل البهجة على النفوس، ويُشعرها بفرحة العيد، ولعموم الأحاديث التي فيها ترغيب في المصافحة والتحاب والتواد، وليس هناك صيغة معيَّنة للتهنئة ثابتة يجب المصير إليها، لكن يدعو لإخوانه ويسلم عليهم ويهنئهم، ويمكن أن يقول لإخوانه: "تقبل الله منا ومنكم".
قال الحافظ في الفتح: وروينا في "المَحامليات" بإسناد حسن عن جُبير بن نفير، قال: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقَوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبَّل الله منا ومنك".
12– صلة الأرحام:
وهي واجبة في كل وقت، وتتأكد في مثل هذا اليوم، حتى يُدخل المؤمن السرور على أقاربه، ويشعرهم ببهجة العيد، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله".
وفي الصحيحين قال رجل: يا رسول الله، إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني وأحسن إليهم ويسيئون إليَّ، وأحلم عليهم ويجهلون عليَّ؟ فقال: "لئن كنت كما قلت، فكأنما تسفهم المَلَّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك".
وفي صحيح البخاري قال صلى الله عليه وسلم: "ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها".
13– الحذر من الغفلة عن الله في هذا اليوم العظيم:
لأن كثيرًا من الناس يركبون المعاصي أيام العيد، بزعم الترويح عن النفس والترفيه، فتتبرج النساء، ويتخنث الشباب، وتضيع الأوقات في ارتياد دور السينما، ومشاهدة الأفلام، واستماع الأغاني، ونحو ذلك مما يغضب الله تعالى.
بل إن وسائل الإعلام في أكثر بلاد المسلمين قد جعلت من يوم العيد يوم فجور ومجون، فصارت مشحونة بالأفلام الهابطة، والمسلسلات الخليعة، والأغاني التي تثير الغرائز، وصور النساء المتبرجات، والإعلانات المشحونة بصور الساقطات، والإعلان عن دور السينما وما يقدَّم فيها، ولا تكاد تتوقف عن كل صور الإفساد طوال أيام العيد!
فكم مِن حُرمات تُنتهك! وكم من معاص تُرتكب! وكم من سيئات يُجهر بها! كل ذلك لأنه يوم عيد، بدلًا من أن يكون يوم برٍّ وخير وصلة، وإدخال سرور على قلوب الفقراء والمحتاجين، وإظهار لمدى التزام المسلم بدينه حتى في يوم العيد والفرح، فينبغي لكل مسلمٍ عاقل أن يَحذَر من هذه الأمور، وأن يحذر معصية الله تعالى في العيد.