نتحدث هنا عن أهمية التبرع بالدم للمريض نفسه، فهذا معلومٌ لدى الكل بالضرورة، إنما سنركز فوائد هذا العمل النبيل لمن يؤدي زكاة دمه بشكل دوري.
1. تجديد الدم
من المعلوم أن كرات الدم الحمراء (أهم مكونات الدم، والتي تنقل الأكسجين إلى خلايا الجسم كافة ) تتجدد تقريبًا كل 4 أشهر، حيث يتم التخلص من القديم عبر الطحال وبعض الأنسجة اللميفاوية، وضخ الجديد الذي تنتجه مصانع الدم في نخاع العظام الموجود في قلب عظامنا المحورية في الظهر والصدر.. إلخ.
يخزن الجسم حوالي 500 مل من الدم الجديد كاحتياطي استراتيجي في الطحال بالأساس، وذلك لضخه في حالة الفقد المفاجئ للدم كما في حالة النزيف .. الخ. عندما تتبرع بالدم، يقوم الطحال فورًا بضخ الاحتياطي لتعويض ما فقده الجسم، ويتم تجديد الاحتياطي من الدم الجديد في الأيام التالية. وهذا هو سر جعل التبرع الدوري كل 4 أشهر.
2. تقليل احتمالات الإصابة بالعديد من السرطانات
أظهرت نتائج إحدى الدراسات منذ 10 سنوات، انخفاض معدلات الإصابة ببعض السرطانات الهامة لدى من يقومون بالتبرع الدوري بالدم، خاصة سرطانات الكبد والمريء والمعدة والقولون والرئة. والتفسير الذي رجَّحتْه الدراسة لذلك هو أن التبرع الدوري بالدم يحافظ دائمًا على الحديد في معدلاته الطبيعية، دون أي زيادة قد تسبب تضرر الأنسجة، وزيادة قابليتها للنمو السرطاني.
3. تقليل احتمالات حدوث جلطات القلب
أظهرت إحدى الدراسات أن التبرع بالدم لمرة واحدة في العام على الأقل، يقلل فرص الإصابة بجلطات القلب، والنوبات القلبية عمومًا، بنسبة تزيد على 80%. قدمت الدراسة عدة تفسيرات لهذه الملاحظة الهامة، من أهمها أيضًا قصة الحديد. حيث يؤدي التبرع بالدم إلى دفع الجسم لتنشيط عملية تصنيع الدم الجديد لتعويض ما تم فقده، ولتعويض الاحتياطي الاستراتيجي للجسم، وبالطبع يتم استهلاك أي حديد زائد في هذه العملية، مما يحافظ على معدلات الحديد في الدم، وفي الأنسجة، في المتوسطات الطبيعية المفيدة. وقد أظهرت دراسات سابقة وجود ارتباط بين معدلات زيادة الحديد في القلب والشرايين التاجية، وحدوث تصلب الشرايين، الذي يسبب ضيقها، ويزيد فرص حدوث الجلطات داخلها.
كذلك يحسن التبرع الدوري بالدم من جودة مكونات الدم، وزيادة نسبة الخلايا الشابة حديثة التصنيع، ذات الكفاءة الأكبر في نقل الأكسجين، مما يحسن التغذية الدموية للقلب، ويقلل ولو بشكل طفيف فرص تعرضه للنوبات القلبية. كذلك يحافظ التبرع الدوري بالدم على نسبة الهيموجلوبين في الدم في المعدل الطبيعي، وقد كشفت الدراسة وجود علاقة بين زيادة نسبة الهيموجلوبين، وزيادة تأثير الكوليسترول الضار LDL على شرايين القلب، وهذا الأخير هو المسئول عن حدوث تصلب الشرايين.
4. حالات مرضية علاجها التبرع بالدم
بعض اختلالات الدم مثل الزيادة غير الطبيعية في كمية كرات الدم الحمراء، أحد أهم علاجاتها هو التبرع بالدم بشكل مستمر، على فواصل زمنية أقصر بكثير من مدة الـ4 أشهر المعتادة لدى المتبرعين الأصحاء. دون التبرع المستمر بالدم، يتعرض هؤلاء المرضى لمضاعفات خطيرة مثل جلطات الدم نتيجة زيادة لزوجة الدم، والارتفاع الشديد في ضغط الدم، وارتفاع البوتاسيوم في الدم والذي قد يسبب اضطرابات كهربية خطيرة في القلب .. الخ.
وحالة مرضية خطيرة أخرى تحتاج للتبرع المستمر، هي الزيادة المرضية في كمية الحديد في الدم. الحديد من أهم مكونات الدم، لكن في وجود بعض الاختلالات الجينية، يزداد امتصاصه من الطعام بشكل كبير يفوق حاجة الجسم منه، مما يؤدي إلى ترسبه في الأعضاء الحيوية وتلفها، وأشهرها القلب والمفاصل والخصيتيْن والبنكرياس.
5. الحفاظ على سلامة الكبد
الكبد من أهم أعضاء الجسم الحيوية، فهو ينتج العديد من البروتينات الهامة مثل الألبيومين الذي يحافظ على السوائل في الدم، ويمنع التورم، ومثل مضادات التجلط التي تمنع النزيف، وكذلك هو المصفاة الرئيسية بالجسم للتخلص من السموم. يساهم التبرع الدوري بالدم في الحفاظ على الكبد من خلال الحفاظ على معدلات الحديد الطبيعية كما فصَّلنا في النقاط السابقة.
6. تقليل عوامل الأكسدة ومحفزات الالتهاب
هناك بعض المواد الضارة تنتج من بعض التفاعلات داخل خلايا وأنسجة الجسم، وتسمى بعوامل الأكسدة. ظهرت وفرة من الأبحاث التي تتحدث عن تلك المواد، وعند دورها في تحفيز حدوث بعض الأمراض الخطيرة مثل السرطانات، والجلطات، وفشل الأجهزة الحيوية، لكن لم تصل أغلب تلك الدراسات لنتائج قاطعة في هذا الصدد. لكن عمومًا أظهرت دراسة عام 2016 م أن التبرع الدوري بالدم يساهم في تقليل نسب تلك المواد الضارة في الدم والجسم.
عندما يقوم المرء بعمل نبيل يخدم به الآخرين، كأن يتبرع المرء بدمه، للمساهمة في إنقاذ قريب أو حتى غريب في حاجة ماسة، فهذا يؤدي إلى شعور كبير بالإنجاز، وتحسن الحالة المزاجية، والإحساس بالذات، ويقلل من الطاقة السلبية، ومن جلد الذات. ليس هذا كلامًا إنشائيًا، إنما تدعمه نتائج بعض الدراسات.
8. تحاليل حيوية مجانية
يمثل التبرع بالدم فرصة للاطمئنان الدوري بخصوص الإصابة ببعض الأمراض الخطيرة التي تنتقل بالدم مثل فيروسات الإيدز والفيروسات الكبدية بي وسي، ومرض الزهري .. الخ، حيث يتم إجراء هذه التحاليل إجباريًا على دماء كل متبرع في كل مرة تبرع. كذلك يقوم المشرفون على عملية التبرع إلزاميًا بالاطمئنان على ضغط دم المتبرع، ونبض القلب، ونسبة الهيموجلوبين بالدم، وكذلك الوزن (لا يسمح بالتبرع لشديدي النحافة) مما يسهم في الكشف المبكر عن ارتفاع الضغط والأنيميا .. إلخ.
9. مساهمة طفيفة في إنقاص الوزن
تؤدي كل مرة تبرع بالدم إلى فقد حوالي 650 كيلو سعر. وهذا يمثل حوالي ثلث الاحتياج اليومي المتوازن من السعرات للإنسان البالغ متوسط الوزن. بالطبع على المدى البعيد يبدو هذا مساهمة رمزية للغاية، وهي بالفعل كذلك. لكن عند تمكن ثقافة التبرع الدوري من الشخص، فإنها ستساعده في الحفاظ على الحمية الغذائية المتوازنة، إذ سيحرص دائمًا على البقاء بصحة جيدة، وتجنب الإصابة بالأنيميا، وذلك ليتمكن من التبرع في أي وقت. ولن يتمكن الشخص من هذا إلا بالإكثار من الأطعمة المفيدة كالفواكه والخضروات والأسماك، والألبان قليلة الدسم، والبروتينات النباتية كالبقوليات، والبروتينات الحيوانية قليلة الدهون، وكل هذا سيساعد في حميته بشكل جيد.
10. فوائد عظمى بثمن قليل للغاية
إذا عُرضَ عليك أن تشارك في تجارة مكسبها مضاعف ومضمون، باحتمالية خسارة، ومشكلات أقل من 1%، هل تفوت مثل هذه الفرصة؟ كذلك هو التبرع بالدم. أما المخاطر، فتكاد تكون منعدمة طالما تم الالتزام بالقواعد الصحية السليمة من استخدام الإبر والمحاقن لمرة واحدة فقط، وتعقيم مكان الدخول الوريدي، وأن يتم الدخول بواسطة طبيب أو ممرض متمرس، وكل هذا يسهل توافره في أغلب المشافي.
لو لم يكن للتبرع بالدم، وانتشار ثقافته لدى معظم الجمهور من فائدة سوى أن يجد أي منا أكياس الدم متوافرة عندما يحتاجها في حالة طارئة – وهذا للأسف احتمال غير بعيد عن أي منا، وعن أحبابنا – لكان هذا يكفي. لكن بالفعل فوائد الأمر تتخطى هذا.
لا يحتاج الأمر لاشتراطات عسيرة،وما يلي أهمها:
1. العمر من 18-60 عامًا.
2. عدم وجود إصابة معروفة بالأمراض التي تنتقل دمويًا كالإيدز والفيروسات الكبدية .. الخ
.3. الوزن على الأقل 50 كجم.
4. نسبة هيموجلوبين طبيعية (الذكور > 14% – الإناث > 12%).
5. أن يكون المتبرع بصحة جيدة، ولا يعاني من حمى أو مشكلة صحية عاجلة.6. أن يكون مضى على الأقل شهران (ويفضل أربعة أشهر) منذ آخر مرة تبرع بالدم، وعشرة أيام منذ آخر مرة تبرع بالصفائح الدموية (تتجدد من أسبوع إلى عشرة أيام بجسم المتبرع).
بعض الفئات تعتبر عالية الخطورة من حيث احتمالية وجود إصابة غير مُشخَّصَة بالأمراض التي تنتقل عبر الدم ومنها:
1. متعاطي المخدرات بالحقن، ولو لمرة واحدة فقط.
2. من أقام علاقة جنسية مع إحدى بائعات الهوى خلال العام السابق للتبرع، أو أي علاقة جنسية غير آمنة خارج الأطر.
3. من أقام علاقة جنسية مع مريض بالإيدز أو الفيروسات الكبدية خلال العام الفائت.
4. الرجال الذين أقاموا علاقة جنسية مع رجال خلال عام أيضًا.
5. المصابين بداء يعقوب-كروتزفلت المعروف باسم جنون البقر.
وهناك فئات أخرى لا يسمح لها بالتبرع وإن توفرت الشروط العامة، نظرًا لما يمثله التبرع من خطورة خاصة عليهم، كالمصابين بأمراض وراثية تزيد قابلية النزيف مثل الهيموفيليا.
كما ذكرنا سابقًا، طالما تحقَّقت في الشخص الشروط السابقة، واتبعت الجهة المسؤولة القواعد الصحية، من حيث تعقيم مكان دخول الإبرة على الذراع، واستخدام أدوات خاصة لكل متبرع .. إلخ،فلن تحدث مضاعفات تذكر، ويصبح من المستحيل أن تتعرض لعدوى من التي تنتقل عبر الدم. جدير بالذكر أن الجسم يعوض كمية المياه التي فقدت خلال التبرع (الدم عبارة عن ماء مذاب في مكونات وخلايا) في أقل من 24 ساعة، وباقي المكونات تباعًا في الأيام التالية.
لا يُطلب منك سوى تعليمات بسيطة، من قبيل النوم الجيد في الليلة السابقة، وتناول وجبة طعام جيدة صحية (خصوصًا الفاكهة والخضروات) صباح يوم التبرع، وكذلك شرب وفرة من المياه والعصائر. تجنّب تناول الوجبات كثيفة الدهون قبل التبرع (الشيكولاتة – المحمًّرات كالبطاطس المقلية …) حيث تؤثر على دقة بعض التحاليل التي يتم إجراؤها على الدم الذي سيتم التبرع به.
1.اشرب كمية وافرة من المياه والعصائر في أول يوم.
2. تجنب المجهود العضلي العنيف مثل الجري لمسافة كبيرة أو رفع الأثقال أو ما شابه.
3. إذا شعرت بدوخة، استلقِ على الأرض في مكان آمن، وارفع القدمين لأعلى لحين تحسن العرض.
4. في حالة وجود نزيف مكان دخول الإبرة، اضغط على المكان بقطنة طبية نظيفة، وارفع الذراع لأعلى لحين توقف النزيف.
5. في حالة وجود كدمة أو ازرقاق تحت الجلد حول مكان دخول الإبرة، استعمل كمادات باردة على المكان بشكل متقطع لمدة 24 ساعة.
6. إذا ظهرت عليك أعراض مرضية شديدة في الأيام الأولى بعد التبرع، فعليك أن تخبر الجهة التي قمت للتبرع لديها بذلك، فقد تكون أثناء التبرع في فترة حضانة لمرض ما، وقد ينتقل عبر دمك الذي تبرعت به.