يبدو أن عدوى سباق التفوق في الذكاء الاصطناعي التي يشهدها العالم، انتقلت أيضاً إلى منطقة الشرق الأوسط، حيث تسارع كل من الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى تجهيز البنية التحتية اللازمة، في إطار تنافسهما على أن تصبحا القوة الإقليمية العظمى في مجال التكنولوجيا.
وتقول بلومبرغ إن إحدى أفضل الأماكن لمشاهدة التنافس بين دول الخليج على الذكاء الاصطناعي، هو داخل مبنى في منطقة صناعية بالقرب من ملعب للجولف على مشارف دبي، حيث تستقبل هذه المنشأة النظيفة للغاية، والتي لا تحتوي على نوافذ، ضيوفها بسجادات أرضية زرقاء، مصممة لمنع جزيئات الرمل من الوصول إلى الداخل، فأي ذرة من غبار الصحراء يمكن أن تشكل خطراً على المعدات، التي تبلغ قيمتها ملايين الدولارات الموجودة في الداخل، تماماً مثل الخطر الذي تشكله الحرارة الحارقة على المعدات، وهذا ما يفسّر غياب النوافذ عن المبنى.
وتم افتتاح هذا المجمع الذي تبلغ مساحته 23648 قدماً مربعاً في سبتمبر الماضي، بعد 18 شهراً من بدء البناء، إذ تعد هذه المنشأة الرابعة في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تديرها شركة Equinix Inc، وهي شركة تطوير مراكز بيانات مقرها في ريدوود سيتي، كاليفورنيا، تقوم بعدة استثمارات في الإمارات وتدرس التوسع أيضاً في المملكة العربية السعودية.
تنافس خليجي على الذكاء الاصطناعي
وبحسب ما كشف تقرير بلومبرغ، فإن كلاً من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، تريد أن تصبح القوة الإقليمية العظمى في مجال الذكاء الاصطناعي، وقد أدى التنافس الناشئ بينهما، إلى إطلاق سباق لبناء مراكز بيانات متقدمة، لدعم هذه التكنولوجيا.
ولن تتمكن مراكز البيانات وحدها من تحويل أي دولة، إلى قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي، ولكن وفي الوقت عينه، لا يمكن لأي دولة أن تصبح كذلك بدون بناء هذه المراكز، فالدول تسعى لإنشاء مرافق داخل حدودها لعدة أسباب منها تكنولوجية، بهدف تسهيل وتسريع وصول الخدمات للعملاء، ومنها أسباب جيوسياسية، كي تكون البيانات القيّمة الموجودة على الخوادم خاضعة للقواعد التنظيمية المحلية، ومعزولة عن التدخل الأجنبي.
وفي هذا السياق، كان عمر العلماء وزير دولة الإمارات للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، نائب العضو المنتدب لمؤسسة دبي للمستقبل، قد شدد في وقت سابق، على أن الحكومات الاستباقية هي الأقدر على قيادة التطور في قطاع الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته مستقبلاً، مؤكد أن بلاده تواصل استكشاف فرص الذكاء الاصطناعي التوليدي وتوسيع نطاق استخداماته وتوفير المنصات الحيوية لتطوير تطبيقات عملية للاستفادة من فرصه الكبيرة وتوظيفها لخدمة الإنسان.
وفي المملكة العربية السعودية، حيث لا يزال الاقتصاد يعتمد بشكل كبير على الهيدروكربونات، تعد تقنية الذكاء الاصطناعي جزءاً من استراتيجية رؤية 2030، لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، التي تهدف لتطوير وتنويع مصادر إيرادات ودخل جديدة.
وقد أطلقت المملكة مراكز بحثية كبرى ووزارات مخصصة للذكاء الاصطناعي، وأنتجت نماذج كبيرة الحجم شبيهة بنموذج ChatGPT التابع لشركة OpenAI، تماماً كما فعلت أيضاً الإمارات العربية المتحدة، حيث تقوم كلتا الدولتين بتخزين الآلاف من الرقائق المتخصصة، وفقاً لصحيفة فايننشال تايمز.
منطقة صديقة للأعمال التجارية
وهذا الأسبوع، ذكرت بلومبرغ أن الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، سام ألتمان، التقى مؤخراً بمسؤولين حكوميين ومستثمرين في الإمارات العربية المتحدة، لمناقشة كيفية عمل القطاع الخاص مع الدول لدعم البنية التحتية واسعة النطاق للذكاء الاصطناعي.
وفي أوائل شهر مارس 2024، أعلنت أبوظبي عن صندوق استثماري في الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يتوسع لتصل قيمته إلى 100 مليار دولار في غضون بضع سنوات، في حين يجري صندوق الثروة السيادي في المملكة العربية السعودية، محادثات مع شركة رأس المال الاستثماري Andreessen Horowitz حول تخصيص ما يصل إلى 40 مليار دولار لاستثمارات الذكاء الاصطناعي.
ويقول كامل الطويل، المدير الإداري لشركة Equinix في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لبلومبرغ، إن المنطقة صديقة للأعمال التجارية، وتتمتع باقتصاد قوي، وذات أسعار طاقة مستقرة، وهذا ما يجعلنا نرى أنها تمتلك الكثير من الزخم.
خطط لزيادة سعة مراكز البيانات
وتتخلف دول الخليج عن دول غرب أوروبا في مراكز البيانات، ففي نهاية عام 2023، كان لدى الإمارات العربية المتحدة 235 ميغاوات من سعة مراكز البيانات، وكان لدى المملكة العربية السعودية 123 ميغاوات، مقارنة بألمانيا التي تملك 1060 ميغاوات من سعة مراكز البيانات، وفقاً لشركة الأبحاث DC Byte.
ولسد الفجوة، تخطط الإمارات العربية المتحدة لزيادة قدرتها بمقدار 343 ميغاوات، وتقول المملكة العربية السعودية إنها تريد إضافة 467 ميغاوات خلال السنوات القليلة المقبلة.
تأثير الذكاء الاصطناعي على اقتصاد الإمارات والسعودية
يقدر تقرير حديث صادر عن شركة برايس ووترهاوس كوبرز أنه بحلول عام 2030 سيساهم الذكاء الاصطناعي بمبلغ 96 مليار دولار في اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة، و135 مليار دولار في اقتصاد المملكة العربية السعودية، مما يضع الدولتين خلف الصين وأميركا الشمالية فقط، كمناطق سيكون للذكاء الاصطناعي فيها التأثير الأكبر على الناتج المحلي الإجمالي.
الإمارات الأكثر ذكاءً في التكنولوجيا
تمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة العديد من المزايا في مجال التكنولوجيا، فهي بدأت في بناء مراكز البيانات منذ أكثر من عقدين من الزمن، كجزء من مبادرة مدينة دبي للإنترنت، والتي تضمنت أيضاً مراكز ابتكار ومساحات مكتبية، ولديها 52 مركز بيانات قيد التشغيل، وفقاً لشركة DC Byte.
ويقول كولم شورتن، أحد كبار المديرين في شركة جونز لانج لاسال، التي تدير مراكز البيانات في المنطقة، إن الإمارات العربية المتحدة هي الأكثر ذكاءً في مجال التكنولوجيا بين دول الخليج، بفضل استعدادها لتجربة تقنيات ومعدات جديدة، مشيراً إلى أنها المكان المناسب، وستظل كذلك لعدة سنوات قادمة.