رأفت الهجان.. جاسوس مصري تضاربت بشأنه الروايات
أحد أشهر عملاء الاستخبارات المصرية في إسرائيل، قضى نحو 17 عاما باسم "جاك بيتون" في فترة شهدت فيها المنطقة العربية الوحدة بين سوريا ومصر وحرب 1967، بالتزامن مع اهتمام إسرائيل بالجانب الاستخباراتي لملاحقة ضباط الحزب النازي الألماني حول العالم.
المولد والنشأة
ولد رفعت علي سليمان الجمّال -واسمه الحركي"رأفت الهجان"- في محافظة دمياط بمصر يوم الأول من يوليو/تموز 1927 في عائلة متوسطة الدخل، له 3 إخوة هم سامي ولبيب ونزيه.
كان والده يعمل في تجارة الفحم، وكانت والدته ربة بيت تجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية، بعد وفاة والده عام 1936 انتقلت الأسرة للعيش في القاهرة، وعمل أخوه سامي مدرسا للغة الإنجليزية، مما جعل رفعت يجيد اللغتين الإنجليزية والفرنسية بطلاقة وهو ما زال طالبا في المدرسة.
درس الثانوية في المدرسة التجارية وتخرج فيها عام 1946، وعمل لاحقا مساعدا لضابط حسابات على سفينة تجارية بين مصر والموانئ الأوروبية، ثم انتقل إلى ليفربول ثم أميركا ثم كندا ثم ألمانيا في رحلات هجرة سرية، وأعيد إلى مصر قسرا وعمل في شركة قناة السويس لإتقانه اللغات وطلاقته بها، ثم استقال منها بعد ذلك خوفا من أن يُكشف أمر تزويره أوراقه من أجل العمل في الشركة.
حصل رفعت لاحقا على جواز سفر بريطاني مزور سافر من خلاله إلى بريطانيا، ولكن اكتُشِف أمره في ليبيا فأعيد إلى مصر عام 1952 بعد الاعتقاد بأنه عميل إسرائيلي يتخفى وراء جواز سفر مزور للحصول على معلومات.
في عام 1963 وأثناء زيارته إلى ألمانيا تزوج من الألمانية فالتراود بيتون وأنجب منها دانيال، واستمرت علاقتهما حتى وفاته.
التجربة الاستخباراتية
بدأ رفعت حياته الاستخباراتية بعد توظيفه من قبل المخابرات المصرية التي أطلقت عليه لقب
رأفت الهجان، وذلك لما لمسته منه من مهارات في التخفي وطلاقته في اللغات التي يتقنها، فبدأت حياته الجديدة باسم "جاك بيتون" الذي وُلد يوم 23 أغسطس/آب 1919 في المنصورة لأب فرنسي وأم إيطالية بحسب الوثائق التي منحت له.
ولم ينتقل رفعت إلى العيش مباشرة في إسرائيل، بل عاش في الحي اليهودي بمدينة الإسكندرية على أنه من اليهود الأشكناز الذين كانوا يقطنون في ألمانيا الغربية وشمال فرنسا، ثم لاحقا هاجر عبر فرنسا إلى تل أبيب التي أنشأ فيها وكالة للسفر والشحن.
تمكن رفعت من العمل 17 عاما في تل أبيب، واستمر في نقل الأخبار إلى المخابرات المصرية خلال تلك السنوات، وكان يسافر إلى أوروبا تحت ذريعة التجارة، لكن الهدف الحقيقي كان لقاء مبعوثين من المخابرات المصرية لمتابعة المهام الموكلة إليه.
وحسب الرواية المصرية، فقد كان له دور أساسي في حرب 1973، إذ كان للمعلومات التي أرسلها خلال سنوات خدمته دور محوري في تفوق القوات المصرية في بدايات الحرب نظرا لفهمه الجيش الإسرائيلي وأسلوب عمله.
إنجاز استخباراتي
ذكرت زوجة رفعت بعد وفاته أنه هو الذي كشف هوية الجاسوس الإسرائيلي إيلي كوهين الذي عمل في سوريا باسم "كامل أمين ثابت"، وذلك عندما رأى صورة في صحيفة عربية تُظهر أمين كامل ثابت بصحبة ضباط سوريين، إذ كان يعرفه من القاهرة واعتقلا معا عام 1954 بتهمة التجسس لصالح إسرائيل، ولكن أفرج عنهما بعد أن عرفت المخابرات المصرية أن رفعت يعمل لصالحها، وسافر كوهين إلى تل أبيب دون أن يعرف شخصية رفعت الحقيقية، وبذلك أخبر رفعت المخابرات المصرية عن هوية كامل أمين ثابت، والتي بدورها أخبرت المخابرات السورية بالأمر.
قُبض على إيلي كوهين وأُعدم عام 1965، فيما تؤكد الرواية السورية أن القبض عليه كان من قبل 3 ضباط سوريين استطاعوا التقاط إشارات من جهاز "موريس" الذي كان يتواصل من خلاله مع المخابرات الاسرائيلية.
رأفت الهجان تزوج من الألمانية فالتراود بيتون عام 1963 أثناء زيارته إلى ألمانيا
الرواية الإسرائيلية الكاذبة
ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية عام 2004 أن رفعت كان عميلا مزدوجا، وقالت إن الاستخبارات الإسرائيلية جندته بعد فترة قصيرة من وصوله إلى تل أبيب بعدما كشفت عمله مع المخابرات المصرية.
وتقول الصحيفة إن الاستخبارات الإسرائيلية اكتشفت أمر
رأفت الهجان عن طريق شريكه "إيمرا فريد" الذي كان عنصرا متقاعدا من جهاز الأمن الإسرائيلي، إذ أثارت تنقلات رفعت المكثفة بين تل أبيب وأوروبا انتباه شريكه، فأبلغ المخابرات الإسرائيلية التي تابعته وشاهدته وهو يجتمع مع عميل مصري آخر في أوروبا.
وبعدما كشفته اعتقلته في المطار، وخيرته لاحقا بين السجن وبين أن يوصل للمخابرات المصرية المعلومات التي تريدها وتسمح بها نظيرتها الإسرائيلية، وكانت البداية أن أعطت المخابرات الإسرائيلية رفعت صورا لبعض قواعد الجيش الإسرائيلي بهدف تعزيز ثقة المصريين به.
وكان لرفعت -حسب الرواية الإسرائيلية- دور كبير في الهزيمة المصرية عام 1967 وتدمير الأسطول الجوي المصري من قبل الطيران الإسرائيلي بعد أن حمل المعلومات التي تريد إسرائيل إيصالها إلى مصر خلال حرب الأيام الستة.
وأخبر رفعت المخابرات المصرية -حسب الرواية الإسرائيلية- أن المعركة ستبدأ بتحركات برية، وهذه المعلومات جعلت مصر تترك طائراتها مرئية على مدارج المطارات، لذلك لم يجد سلاح الجو الإسرائيلي صعوبة في تدميرها خلال 3 ساعات.
ولاحقا، رتبت المخابرات الإسرائيلية شراكة لرأفت
الهجان مع رجل أعمال إيطالي لكي يكمل عمله في التجارة بعد أن أدى خدماته لإسرائيل، حسب ما تقول الصحيفة، واعتبرت إسرائيل عام 2011 أن تجنيد رفعت لصالح المخابرات الإسرائيلية من أنجح عملياتها مع الجواسيس على الإطلاق من حيث الفاعلية والأثر، وأطلقت عليها اسم "عملية الوتد".
مسلسل مصري
بدأ التلفزيون المصري عام 1987 بإنتاج سلسلة درامية عن حياة رفعت امتدت 56 حلقة بعنوان "رأفت الهجان"، إذ تناول المسلسل بأجزائه الثلاثة -التي امتدت 3 سنوات متتالية- حياته ابتداء من علاقته مع زوجته ومهامه التي قام بها، وذلك ضمن حبكة درامية بدأت باعترافه بهويته لزوجته وهو على فراش الموت في الحلقة الأولى، ثم مع مرور الحلقات تُروى تفاصيل حياته من بدايتها.
شارك في العمل محمود عبد العزيز بدور
رأفت الهجان ويسرى بدور زوجته، ويوسف شعبان بدور الضابط المصري الذي اكتشف موهبة رفعت وسخّرها لخدمة الدولة المصرية، وأخرج العمل يحيى العلمي، وصنع هويته السمعية ولحن شارته عمار الشريعي.
الوفاة
توفي "رفعت" في ألمانيا يوم 30 يناير/كانون الثاني 1982 بعد معاناة طويلة مع مرض عضال، ودفن بألمانيا في قرية صغيرة تبعد عن فرانكفورت 15 كيلومترا تسمى جوتسينهاين، وكان رفعت قد عاش فيها باسم "جاك" في الفترة بين 1964 و1978.
تحميل الرواية من الرابط التالي