حكم صيام المريض والمسافر:
قال الله تعالى: ﴿ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، والمريض على قسمين: أحدهما من كان مرضه لازمًا مستمرًّا لا يُرجى زواله كالسرطان؛ فلا يلزمه الصوم؛ لأنه ليس له حال يُرجى فيها أن يقدر عليه، ولكن يطعم عن صيام كل يوم مسكينًا إما بأن يجمع مساكين بعدد الأيام فيعشِّيهم أو يُغدِّيهم كما كان أنس بن مالك، رضي الله عنه، يفعله حين كبر، وإما بأن يفرق طعامًا على مساكين بعدد الأيام لكل مسكين ربع صاع نبوي، أي ما يزن نصف كيلو وعشرة غرامات من البُّر الجيد، ويحسن أن يجعل معه ما يأدمه من لحم أو دهن، ومثل ذلك الكبير العاجز عن الصوم فيطعم عن كل يوم مسكينًا.
الثاني: من كان مرضه طارئًا غير ميئوس من زواله كالحمى وشبهها وله ثلاث حالات:
الحال الأولى: أن لا يشق عليه الصوم ولا يضره، فيجب عليه الصوم؛ لأنه لا عذر له.
الحال الثانية: أن يشق عليه الصوم ولا يضره فيكره له الصوم لما فيه من العدول عن رخصة الله تعالى مع الإشقاق على نفسه.
الحال الثالثة: أن يضره الصوم فيحرم عليه أن يصوم لما فيه من جلب الضرر على نفسه، وقد قال تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ﴾ [النساء: 29]، وقال: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾ [البقرة: 195].
وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا ضَرَرَ ولا ضِرَار)، أخرجه ابن ماجه والحاكم، قال النووي: وله طرق يقوي بعضها بعضًا، ويعرف ضرر الصوم على المريض إما بإحساسه بالضرر بنفسه، وإما بخبر طبيب موثوق به، ومتى أفطر المريض في هذا القِسْم فإنه يقضي عدد الأيام التي أفطرها إذا عوفي، فإن مات قبل معافاته سقط عنه القضاء، لأن فرضه أن يصوم عدة من أيام أخر ولم يدركها.
والمسافر على قسمين:
أحدهما: من يقصد بسفره التحيل على الفطر، فلا يجوز له الفطر؛ لأن التحيل على فرائض الله لا يسقطها.
الثاني: من لا يقصد ذلك فله ثلاث حالات:
• الحال الأولى: أن يشق عليه الصوم مشقة شديدة فيحرم عليه أن يصوم؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - (كان في غزوة الفتح صائمًا فبلغه أن الناس قد شق عليهم الصيام، وأنهم ينظرون فيما فعل، فدعا بقدح من ماء، بعد العصر، فشربه والناس ينظرون، فقيل له: إن بعض الناس قد صاموا، فقال: (أولئك العصاة، أولئك العصاة). [رواه مسلم].
• الحال الثانية: أن يشق عليه الصوم مشقة غير شديدة، فيكره له الصوم لما فيه من العدول عن رخصة الله تعالى مع الإشقاق على نفسه.
• الحال الثالثة: أن لا يشق عليه الصوم فيفعل الأيسر عليه من الصوم والفطر؛ لقوله تعالى: ﴿ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ﴾ [البقرة: 185]، والإرادة هنا بمعنى المحبة، فإن تساويا فالصوم أفضل، لأنه فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -.
كما في (صحيح مسلم) عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان في حر شديد، حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر، وما فينا صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وعبد الله بن رواحة).
والمسافر على سفر من حين يخرج من بلده حتى يرجع إليها ولو أقام في البلد التي سافر إليها مدة فهو على سفر مادام على نية أنه لن يقيم فيها بعد انتهاء غرضه الذي سافر إليها من أجله، فيترخص برخص السفر ولو طالت مدة إقامته؛ لأنه لم يرد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تحديد مدة ينقطع بها السفر، والأصل بقاء السفر وثبوت أحكامه حتى يقوم دليل على انقطاعه أو انتفاء أحكامه.
ولا فرق في السفر الذي يترخص فيه بين السفر العارض كحج وعمرة وزيارة قريب وتجارة ونحوه، وبين السفر المستمر كسفر أصحاب سيارات الأجرة (التكاسي)، أو غيرها من السيارات الكبيرة، فإنهم متى خرجوا من بلدهم فهم مسافرون يجوز لهم ما يجوز للمسافرين الآخرين من الفطر في رمضان، وقصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين، والجمع عند الحاجة إليه بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، والفطر أفضل لهم من الصيام إذا كان أسهل لهم، ويقضونه في أيام الشتاء؛ لأن أصحاب هذه السيارات لهم بلد ينتمون إليها، فمتى كانوا في بلدهم فهم مقيمون، لهم ما للمقيمين وعليهم ما عليهم، ومتى سافروا فهم مسافرون، لهم ما للمسافرين وعليهم ما على المسافرين.
• مفسدات الصوم، وهي المفطرات:
مفسدات الصوم سبعة:
أحدها: الجماع، وهو إيلاج الذكر في الفرج، فمتى جامع الصائم فسد صومه، ثم إن كان في نهار رمضان، والصوم واجب عليه، لزمته الكفارة المغلظة لفحش فعله، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، فإن كان الصوم غير واجب عليه كالمسافر يجامع زوجته وهو صائم فعليه القضاء دون الكفارة.
الثاني: إنزال المني بمباشرة أو تقبيل أو ضم أو نحوها، فإن قبل ولم ينزل فلا شيء عليه.
الثالث: الأكل والشرب وهو إيصال الطعام أو الشراب إلى الجوف سواء كان عن طريق الفم أم عن طريق الأنف، أيا كان نوع المطعوم أو المشروب، ولا يجوز للصائم أن يستنشق دخان البخور بحيث يصل إلى جوفه؛ لأن الدخان جرم، وأما شم الروائح الطيبة فلا بأس به.
الرابع: ما كان بمعنى الأكل أو الشرب مثل الإبر المغذية التي يُستغني بها عن الأكل والشرب، فأما غير المغذية فلا تفطر سواء كانت عن طريق العِرْق أو العضل.
الخامس: إخراج الدم بالحجامة وعلى قياسه إخراجه بالفصد ونحوه مما يؤثر على البدن كتأثير الحجامة، فأما إخراج الدم اليسير للفحص ونحوه فلا يفطر، لأنه لا يؤثر على البدن من الضعف تأثير الحجامة.
السادس: التقيؤ عمدًا، وهو إخراج ما في المعدة من طعام أو شراب.
السابع: خروج دم الحيض والنفاس.
وهذه المفسدات لا تفطر الصائم إلا بثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون عالمًا بالحكم وعالمًا بالوقت.
الثاني: أن يكون ذاكرًا.
الثالث: أن يكون مختارًا.
فلو احتجم بظن أن الحجامة لا تفطر فصومه صحيح؛ لأنه جاهل بالحكم، وقد قال الله تعالى: ﴿ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ﴾ [الأحزاب: 5]، وقال تعالى: ﴿ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ﴾ [البقرة: 286]، فقال الله: (قد فعلت)، وفي (الصحيحين) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه جعل عقالين أسود وأبيض تحت وسادته، فجعل يأكل وينظر إليهما، فلما تبين أحدهما من الآخر، أمسك عن الأكل يظن أن ذلك معنى قوله تعالى: ﴿ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَد ﴾ [البقرة: 187].
ثم أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال له - صلى الله عليه وسلم -: (إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل )، ولم يأمره بالإعادة، ولو أكل يظن أن الفجر لم يطلع أو أن الشمس قد غربت، ثم تبين خلاف ظنه فصومه صحيح؛ لأنه جاهل بالوقت، وفي (صحيح البخاري) عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: أفطرنا في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم غيم، ثم طلعت الشمس، ولو كان القضاء واجبًا لبينه - صلى الله عليه وسلم -، لأن الله أكمل به الدين، ولو بَيَّنَه النبي - صلى الله عليه وسلم - لنقله الصحابة، لأن الله تكفل بحفظ الدين، فلمَّا لم ينقله الصحابة علمنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقله، ولمَّا لم يقله علمنا أنه ليس بواجب، ولأنه مما توفر الدواعي على نقله لأهميته فلا يمكن إغفاله، ولو أكل ناسيًا أنه صائم لم يفطر، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه). [متفق عليه]، ولو أكره على الأكل أو تمضمض فتهرب الماء إلى بطنه أو قطر في عينه فتهرب طعم القطور إلى جوفه أو احتلم فأنزل منيًّا، فصومه صحيح في ذلك كله، لأنه بغير اختياره.
ولا يفطر الصائم بالسواك، بل هو سنة له ولغيره في كل وقت في أول النهار وآخره، ويجوز للصائم أن يفعل ما يخفف عنه شدة الحر والعطش كالتبرد بالماء ونحوه، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش، وبَلَّ ابن عمر رضي الله عنهما ثوبًا، فألقاه على نفسه وهو صائم، وهذا من اليسر الذي كان الله يريده بنا، ولله الحمد والمنة على نعمته وتيسيره.
صلاة التراويح:
التراويح: قيام الليل جماعة في رمضان، ووقتها من بعد العشاء إلى طلوع الفجر، وقد رغَّب النبي - صلى الله عليه وسلم - في قيام رمضان حيث قال: (من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه).
وفي (صحيح البخاري) عن عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قام ذات ليلة في المسجد، فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم، فلمَّا أصبح قال: (قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم)، وذلك في رمضان.
والسُّنة أن يقتصر على إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين؛ لأن عائشة، رضي الله عنها، سُئلت: كيف كانت صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في رمضان؟ فقالت: (ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة). [متفق عليه].
وفي (الموطأ) عن محمد بن يوسف (وهو: ثقة ثبت) عن السائب بن يزيد (وهو صحابي) أن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة.
وإن زاد على إحدى عشرة ركعة فلا حرج؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سُئل عن قيام الليل فقال: (مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى) أخرجاه في (الصحيحين)، لكن المحافظة على العدد الذي جاءت به السنة مع التأني والتطويل الذي لا يشق على الناس أفضل وأكمل.
وأما ما يفعله بعض الناس من الإسراع المفرط فإنه خلاف المشروع، فإن أدى إلى الإخلال بواجب أو ركن كان مبطلاً للصلاة.
وكثير من الأئمة لا يتأنى في صلاة التراويح، وهذا خطأ منهم، فإن الإمام لا يصلي لنفسه فقط، وإنما يصلي لنفسه ولغيره، فهو كالولي يجب عليه فعل الأصلح، و قد ذكر أهل العلم أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يجب.
وينبغي للناس أن يحرصوا على إقامة هذه التراويح، وأن لا يضيعوها بالذهاب من مسجد إلى مسجد، فإن من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة وإن نام بعد على فراشه.
ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة، بشرط أن يَخْرُجن محتشمات غير متبرجات بزينة ولا متطيبات.
الزكاة وفوائدها:
الزكاة فريضة من فرائض الإسلام وهي أحد أركانه وأهمها بعد الشهادتين والصلاة، وقد دل على وجوبها كتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع المسلمين، فمن أنكر وجوبها فهو كافر مرتد عن الإسلام يُستتاب، فإن تاب وإلا قتل، ومن بخل بها أو انتقص منها شيئًا فهو من الظالمين المستحقين لعقوبة الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران: 180]، وفي (صحيح البخاري) عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثّلَ له يوم القيامة شجاعًا أقرع له زبيبتان يُطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - يقول: أنا مَالُك أنا كنْزُك)، والشجاع: ذَكَرُ الحيّات، والأقرع: الذي تمعط فروة رأسه لكثرة سمه، وقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ﴾ [التوبة: 34، 35].
وفي (صحيح مسلم) عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة حتى يُقضى بين العباد).
وللزكاة فوائد دينية وخلقية واجتماعية كثيرة، نذكر منها ما يأتي، فمن فوائدها الدينية:
1- أنها قيام بركن من أركان الإسلام الذي عليه مدار سعادة العبد في دنياه وأخراه.
2- أنها تقرب العبد إلى ربه وتزيد في إيمانه، شأنها في ذلك شأن جميع الطاعات.
3- ما يترتب على أدائها من الأجر العظيم، قال الله تعالى: ﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ﴾ [البقرة: 276]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا ءَاتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا ءَاتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ﴾ [الروم: 39]، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من تصدق بعدل تمرة - أي: بما يعادل تمرة - من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يأخذها، بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل). [رواه البخاري ومسلم].
4- أن الله يمحو بها الخطايا كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار)، والمراد بالصدقة هنا الزكاة وصدقة التطوع جميعًا.
ومن فوائدها الاجتماعية:
1- أن فيها دفعًا لحاجة الفقراء الذين هم السواد الأعظم في غالب البلاد.
2- أن في الزكاة تقوية للمسلمين ورفعًا من شأنهم، ولذلك كان أحد جهات الزكاة الجهاد في سبيل الله، كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
3- أن فيها إزالة للأحقاد والضغائن التي تكون في صدور الفقراء والمعوزين، فإن الفقراء إذا رأوا تمتع الأغنياء، بالأموال وعدم انتفاعهم بشيء منها، لا بقليل ولا بكثير فربما يحملون عداوة وحقدًا على الأغنياء، حيث لم يراعوا لهم حقوقًا، ولم يدفعوا لهم حاجة، فإذا صرف الأغنياء لهم شيئًا من أموالهم على رأس كل حول؛ زالت هذه الأمور وحصلت المودة والوئام.
4- أن فيها تنمية للأموال وتكثيرًا لبركتها، كما جاء في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: (ما نقصت صدقة من مال)، أي: إن نقصت الصدقة المال عدديًّا فإنها لا تنقصه بركة وزيادة في المستقبل، بل يخلف الله بدلها ويبارك له في ماله.
5- أن له فيها توسعة وبسطًا للأموال، فإن الأموال إذا صرف منها شيء اتسعت دائرتها وانتفع بها كثير من الناس، بخلاف إذا كانت دُولَة بين الأغنياء لا يحصل الفقراء على شيء منها.
فهذه الفوائد كلها في الزكاة تدل على أن الزكاة أمر ضروري لإصلاح الفرد والمجتمع، سبحانه الله العليم الحكيم.
والزكاة تجب في أموال مخصوصة منها: الذهب والفضة بشرط بلوغ النصاب (نصاب الذهب يساوي 85 جرام تقريبًا، ونصاب الفضة يساوي 595 جرام تقريبًا)، وهو في الذهب أحد عشر جنيهًا سعوديًا وثلاثة أسباع الجنيه، وفي الفضة ستة وخمسون ريالاً سعوديًّا من الفضة أو ما يعادلها من الأوراق النقدية، والواجب فيها ربع العشر، ولا فرق بين أن يكون الذهب والفضة نقودًا أم تِبرًا أم حُليًّا، وعلى هذا فتجب الزكاة في حلي المرأة من الذهب والفضة إذا بلغ نصابًا، ولو كانت تلبسه أو تعيره، لعموم الأدلة الموجبة لزكاة الذهب والفضة بدون تفصيل، ولأنه وردت أحاديث خاصة تدل على وجوب الزكاة في الحلي وإن كان يُلبسِ، مثل ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، أن امرأة أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - وفي يد ابنتها مَسَكتان من ذهب، فقال: (أتعطين زكاة هذا؟) قالت: لا، قال: (أيّسُرُّكِ أن يُسوِّرَكِ الله بهما سوارين من نار)، فَالقتهما، وقالت: هما لله ورسوله، قال في (بلوغ المرام): رواه الثلاثة وإسناده قوي، ولأنه أحوط وما كان أحوط فهو أولى، ومن الأموال التي تجب فيها الزكاة عروض التجارة وهي كل ما أعد للتجارة من عقارات وسيارات ومواش وأقمشة وغيرها من أصناف المال، والواجب فيها ربع العشر فيقومها على رأس الحول بما تساوي، ويخرج ربع عشره سواء كان أقل مما اشتراها به أم أكثر أم مساويًا، فأما ما أعده لحاجته أو تأجيره من العقارات والسيارات والمعدات ونحوها فلا زكاة فيه لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة)، لكن تجب في الأجرة إذا تم حولها وفي حلى الذهب والفضة لما سبق.
زكاة الفطر:
زكاة الفطر فريضة فرضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند الفطر من رمضان، قال عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: (فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، زكاة الفطر من رمضان على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين). [متفق عليه].
وهي صاع من طعام مما يقتاته الآدميون، قال أبو سعيد الخدري، رضي الله عنه: (كنا نخرج يوم الفطر في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - صاعًا من طعام، وكان طعامنا الشعير والزبيب والأقط والتمر)، [رواه البخاري].
فلا تجزئ من الدراهم والفرش واللباس وأقوات البهائم والأمتعة وغيرها، لأن ذلك خلاف ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي: مردود عليه؛ ومقدار الصاع كيلوان وأربعون غرامًا من البر الجيد، هذا هو مقدار الصاع النبوي الذي قدر به النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويجب إخراج الفطرة قبل صلاة العيد، والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة، وتجزئ قبله بيوم أو يومين فقط، ولا تجزئ بعد صلاة العيد، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فرض زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات). [رواه أبو داود وابن ماجه].
لكن لو لم يعلم بالعيد إلا بعد الصلاة أو كان وقت إخراجها في بر أو بلد ليس فيه مستحق أجزأ إخراجها بعد الصلاة عند تمكنه من إخراجها.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه.