جدول المحتويات
يعدّ الشاعر أبو القاسم الشّابيّ من أبرز روّاد الأدب العربيّ، والأدب التّونسيّ على وجه التحديد، يتميّز شعره في تلمُّسه للأثر الأندلُسيّ، بالإضافة إلى اتّباعه نهجاً قديماً في الشِّعر، وهو إيراد الجُمل المُتوازية، فكان سبباً في إعادة إحياء هذا النّمظ في التُّراث العربيّ،[١] كذلك تمتّع الشّابيّ بالموهبة التي انعكست في شِعره المليء بالمشاعر والخيال المُصاحب للصّور الفنيّة الغنيّة، والفريدة من نوعها، ويجب التّنويه إلى أنّه نقل الجانب الإنسانيّ الذي يحمله، وحبّه للحياة وعشقه لوطنه الكبير من خِلال أدبه، فما كان شِعره إلّا وسيلةً ينقل بها أحزان بلاده ومُشكلاته، كما لم يخلُ شِعره من الجانب المُشرق الذي يدفع لحبّ الحياة والإنسان.
وُلد الشاعر أبو القاسم الشّابيّ في بلدة الشّابَّة الواقعة في ضواحي (توزر) في تُونس، وذلك في الرّابع والعشرين من شهر شباط لعام 1909م، والده الشّيخ مُحمّد الشّابي الذي تخرّج بعد دراسة سبع سنوات في الجامع الأزهر، وكان هذا في بداية القرن العشرين، ليكمل بعدها الدّراسة في جامع الزّيتونة الشّهير في تُونس، إلى أن انتهى به الحال بحصوله على شهادة التّطويع الممنوحة لخرِّيجيها في ذلك الوقت، وبعد هذه الرّحلة التّعليميّة انتقل الشّيخ مُحمّد الشّابيّ للعمل في القضاء الشّرعيّ في مُختلف المحافظات التّونسيّة، أمّا بالنّسبة لأبي القاسم الشّابيّ فقد كان في ذلك الوقت حديث الولادة متنقلاً مع والديه في تنقّلهما، والجدير بالذِّكر أنّه ذكر في ديوانه أغاني الحياة أنّه لم يزر بلدته سوى مرّتيْن، الأولى عند خِتانه وكان حينها في عُمر الخامسة، أمّا المرّة الثّانية فقد كانت زيارة عاديّة.
تلقّى الشابي علومه الأولى على يد والده، الذي أرسله بعدها إلى الكُتّاب في مدينة قابس، ثمّ التحق بعدها بجامع الزّيتونة لإكمال دراسته عام 1920م وهو في عُمر الثّانية عشر، وكانت هذه فُرصته في تلقّي العِلوم وخاصّة العُلوم الدّينيّة، فبقي فيها سبعة أعوام مليئةً بمُخالطة أصحاب الثّقافة والعِلم؛ ليتعلّم منهم ويدرس ويُطالع معهم، إلّا أنّه لم يكن راضياً عن عدم تقبُّل النّاس لأفكاره في المكان الذي يتواجد فيه، لكنّه وعلى الرغم من ذلك نجح في تكوين ثقافة عربيّة واسعة خاصّة به، وكانت هذه الثّقافة خليطاً من التّراث العربيّ في ألمع عصوره، مع الأدب الحديث المُعاصر الذي تشكّل في مِصر، والعراق، وسوريا، والمهجر، كما تطرّق الشابيّ إلى الأدب الغربيّ من خلال اطّلاعه على ما تنشره الدُّور العربيّة منها لعدم معرفته بالّلغات الأجنبيّة، أمّا بالنّسبة لتعليمه في جامع الزّيتونة فقد أنهاه في شهر حزيران بعد حصوله على شهادة التّطويع كوالده عام 1927م، وفي العام الذي يليه انتسب أبو القاسم إلى المدرسة التّونسيّة للحقوق، وتخرجّ منها وأخذ إجازتها عام 1930م.
تمتّع شِعر أبي القاسم الشّابيّ بمنهجين اثنين في طريقة نظمه له، وهما عُمق المعاني، وسهولة الألفاظ، أمّا المعاني العميقة فتتمثّل بارتباطها بالحياة والإنسان والمشاعر، أمّا سهولة الألفاظ فتكمن في اختياره مفرداتٍ لينةٍ قادرةٍ على حمل المعاني المُختلفة، ممّا يُعطيها طابعاً قويّاً تتداخل فيه المحسوسات، وهذا ما جعله يهتمّ بالّلفظ المُفرد اهتماماً يُقرّب من خلاله العبارات الغامضة والخياليّة إلى مُفرداتٍ رمزيّةٍ بسيطةٍ يُصاحبها معنى عميق، وفيما يلي مجموعة من المظاهر التي برزت في شِعر الشّابيّ
ترك أبو القاسم الشّابيّ إرثاً أدبياً واسعاً من الكُتب، والقِصص، والرّوايات، والمقالات على اختلافها، ويظهر من خلال هذه الأعمال تأثره بشُعراء المهجر، مِثل: جبران خليل جبران، ونعيمة، وإيليا أبو ماضي، بالإضافة إلى أدباء الشِّعر العربيّ القديم، مِثل: أبو العلاء المعريّ، وجميل بُثينة، ولا يُلغي هذا تأثّره بأدباء الغرب، ومنهم: غوته، ولامرتين، ويجب الإشارة إلى أنّ شِعر الشّابيّ تميّز بتفرّده؛ فقد كان شِعراً جامعاً بين التّمرّد والتّصوّف في نفس الوقت، كما غلب على شِعره الوطنيّ والعاطفيّ طابع الحزن واليأس، ومن أكثر قصائده تداولاً قصيدة إرادة الحياة التي يقول في مطلعها "إذا الشّعب يوماً أراد الحياة"، أمّا بالنّسبة لأعماله ففيما يلي بعضها:[١٠]
ديوان أغاني الحياة الذي مات قبل أن يقوم بطباعته، فطُبع بعد مماته.
كتاب الخيال الشِّعريّ عند العرب. كتاب صفحات دراميّة، وهو عبارة عن قصّة خياليّة تدور حول حياته.
كتاب رسائل الشّابيّ، وهذا الكِتاب يضمّ الرّسائل التي تداولها أبو القاسم الشّابيّ مع الأدباء من مِصر، وتونس، وسوريا.
كِتاب يوميّات الشّابي، ويضُم المُذكّرات اليوميّة الخاصّة به. رواية المقبرة. كتاب جميل بُثينة، وهو عِبارة عن قصّة صاغها الشّابيّ بطريقته الشِّعريّة.
كِتاب شعراء المغرب الأقصى.
كِتاب الهِجرة المُحمّديّة.
مسرحيّة السِّكَير.
توفي الشاعر أبو القاسم الشابي في التّاسع من شهر تشرين الأول لعام 1934م، وكان ذلك إثر مرض قلبي عانى منه فترة شبابه، وهذا بعد أن أمضى حياته بين حُزن وأسى صاحباه نتيجةً لِما مرّ به من اضّطرابات، خاصّة بعد وفاة والده، ثمّ موت حبيبته، وبذلك فارق الشابي الحياة عن عُمر لا يتجاوز الثّانية والعشرين،[١١] وقد قال الشّابيّ خلال مرضه أبياتاً يصف فيها حاله، فقال:[١٢]
وأكلْنا التُّرابَ حتَّى مَلِلْنا
وشَربْنا الدُّموعَ حتَّى رَوِينا
ونَثَرْنا الأَحْلامَ والحبَّ والآلا مَ واليأسَ والأَسى حيثُ شِينا
ثمَّ ماذا هذا أنا صرتُ في الدُّن يا بعيداً عن لهوِها وغِنَاها في ظلامِ الفَنَاءِ أَدفُنُ أَيَّا مي
ولا أستطيعُ حتَّى بكاها
وزهورُ الحياة تهوي بِصَمْتٍ محزنٍ
مُضْجِرٍ على قدميَّا