"لكي تنال تونس استقلالها، يجب أن أموت أنا، أو صالح بن يوسف، أو الحبيب بورقيبة".. مقولة لأسطورة تونسية ناضلت من أجل قيم الحرية والكرامة، وأحبت شعبها وناضلت من أجل تحرير بلاده، هي مقولة الزعيم الراحل فرحات حشاد قالها بلسانه وكتبها بدمه وظلت راسخة في قلوب الملايين التونسيين وترسم خط تحقيق النصر والتحرر من الظلم والاستبداد.
فرحات حشاد هو زعيم وطني ومناضل بالغ التأثير ولم يكن مجرد اسم في تاريخ تونس فقط وهو من أبرز رجالات الحركة الوطنية في تونس ورمزا من رموز النضال العمالي في العالم بأسره، على نحو جعل المستعمر الفرنسي يهابه، فلم يستطع حيال صعود نجمه شيئا… سوى مد أيادي الغدر نحوه.
سطع نجم فرحات حشاد بتأسيسه رفقة مجموعة من المناضلين " الاتحاد التونسي للشغل المستقل" عام 1946 وذاع صيته على المستوى العربي والدولي، ويعتبر من أبرز النقابيين الذين وقفوا في وجه الاستعمار الفرنسي، ودعموا حركة التحرر الوطني التي شهدتها عدة دول في المنطقة وخاصة في شمال أفريقيا.
ولد فرحات حشاد في الثاني من فيفري 1914، في أسرة ميسورة الحال بقرية العباسية بجزيرة قرقنة، وكان أبوه كان صياد سمك سرعان ما توفي، مما اضطر حشاد إلى ترك مقاعد الدراسة.
كانت العصامية عنوان حياة حشاد منذ باكر عمره وأكمل تكوينه المعرفي والثقافي والسياسي بالمطالعة والقراءة والعمل النقابي، اشتغل في شركة نقل بضائع بمدينة سوسة وسرعان ما انخرط في العمل النقابي عام 1936 من بوابة الكونفدرالية العامة للشغل الفرنسية.
ازداد النشاط العمالي لحشاد وقاد إضرابا عماليا “ناجحا” بعد سنة، ما دفع الشركة إلى نقلته إلى مدينة صفاقس، ثم انتهى به الأمر عام 1939 مطرودا من العمل وتعرّض لبعض المصاعب الاقتصادية خلال الحرب العالمية الثانية بسبب حظر النشاط السياسي فانخرط خلال الحرب في العمل التطوعي في الهلال الأحمر لرعاية الجرحى.
وأحيت تجربة العمل في صفاقس، النضال النقابي في روح حشاد بعد أن عاد إلى العمل عام 1943 موظفا عاما بصفاقس، وأعاد إلى روحه حب النضال بانخراطه في اتحاد عمال صفاقس.
نضالات التحرر الوطنى لدى حشاد بدأت بدعوته إلى المساواة بين التونسيين والفرنسيين من العمال، ومنحهم ذات الحقوق المدنية، قبل أن يأخذ في الدعوة إلى ما هو أكبر، وهو الاستقلال عن فرنسا، واختلف بعد ذلك مع الاتحاد الإقليمي الذي كان تابعا للكونفدرالية الفرنسية، فاستقال من الاتحاد، وأنشأ بالمقابل مع عدد من زملائه، اتحاد النقابات المستقلة بالجنوب.
مسيرة هذا الرجل النقابي ونشاطه الوطني والدولي، تكللت في الـ20 من جانفي 1946، بإعلانه إنشاء الاتحاد العام التونسي للشغل وانتخب يومها أول أمين عام للاتحاد، وهو بعد في الـ30 من عمره.
ويشهد التاريخ اليوم لحشاد بحسن تأطيره وتوجيهه لتحركات الشعب التونسي في فترة حرجة من تاريخه وتولى مسؤولية قيادة المقاومة في فترة اعتقلت فيها فرنسا عدد من الزعماء والقادة الوطنيين التونسيين، مثل الحبيب بورقيبة إلى أن تحول مع حلول عام 1952 إلى رمز للحركة الوطنية والنقابات العمالية.
لم تقف الأمور عند هذا الحد،وأخذت منحى آخر، بعد أن بدأ الاستعمار الفرنسي يتحرّج من النشاط الواسع والتأثير البالغ لحشاد، بعدما لاحظت أن انتهاج الكفاح المسلح قد صار سيد الموقف لدى التونسيين،وبدأت تفكر جديا في التخلص من حشاد بعد أن رأت أنه من يقف وراء الدعوة إلى الكفاح المسلح.
وكان حشاد مستعدا ليهب الموت جسده إن كان ذلك سيعجل بنيل بلاده الاستقلال، وفي حديث صحفي قال ابنه إن أباه قال لعمه حين جاء يحذره من خطر يحدق به نتيجة لنضالاته"لكي تنال تونس استقلالها، يجب أن أموت أنا، أو صالح بن يوسف، أو الحبيب بورقيبة".
ولتأثيره البالغ، دبرت فرنسا لقتل حشاد سرا، وكانت منظمة تدعى "اليد الحمراء" تعمل مع الاستعمار الفرنسي، قد بدأت في نشر تهديدات لحياة فرحات حشاد، كما فعلت صحيفة اسمها "باريس" كانت تصدر في شمال إفريقيا، إذ قالت إن حشاد والحبيب بورقيبة هما رأس البلاء، والقضاء عليهما حفظ للكرامة والشرف الفرنسي.
وفي صباح الخامس من ديسمبر 1952، بينما كان حشاد في طريقه إلى ضاحية رادس، أين يقطن، سيارة تعقبته، أطلقت عليه النار وفرت هاربة.
تلقى حشاد، رصاصات في ذراعه وكتفه، وخرج من سيارته.. وبعد ثوان اعترضته سيارة أخرى أجهزت عليه برصاصة في الرأس، لتنهي حياة رجل لم ينته تاريخه باستشهاده.
في عام 1997، نشر عضو في منظمة “اليد الحمراء” يدعى أنطوان ميليرو، كتابا يحمل عنوان “اليد الحمراء: الجيش السري للجمهورية”، اعترف فيه بتنفيذ عملية الاغتيال بأوامر فرنسية.
وتباهى ميليرو في فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة عام 2009 بجريمته، وقال إنه قام بأمر شرعي… ولن يتردد في إعادته إذا ما طلب منه ثانية!
وتحيي تونس في تاريخ 5 ديسمبر من كل عام ذكرى اغتيال المناضل الوطني وتحث على السير على دربه في النضال والع