خير الدين التونسي واحد من أبرز رجالات الدولة العثمانية في القرن التاسع عشر، تولى رئاسة الوزراء بتونس سنوات وعرف بانفتاحه وميله إلى التجديد، ثم غادرها إلى تركيا ليشغل منصب الصدر الأعظم. خلاصة تجربة حياته لخصها في كتاب "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك".
المولد والنشأة ولد خير الدين باشا المعروف بخير الدين التونسي عام 1820 في قرية بجبال القوقاز لأسرة تنتمي إلى قبيلة أباظة الجركسيّة. وتوضح المعلومات المتوفرة عن نشأته أنه أُسر في مرحلة مبكرة من طفولته بعد مقتل والده في معركة عثمانية ضد الروس.
وقد بيع خير الدين بسوق الرقيق في إسطنبول حيث اشتراه تحسين بك القبريصي ورباه تربية خاصة. وفي عام 1837، حط الرحال في قصر حاكم تونس الباي أحمد باشا فأقام عنده وحمل اسمه وفتح له أبواب العلم والسياسة والمناصب.
الدراسة والتكوينتعلم اللغات العربيّة والفرنسيّة والتركيّة في إسطنبول وتلقى العلوم الشرعيّة واللغويّة من علماء معهد الزيتونة في تونس. وفي سنة 1852 سافر إلى باريس وأقام فيها ثلاث سنوات حيث أثرى معارفه في الإدارة والقضاء.
الوظائف والمسؤولياتالتحق بالجيش التونسي ورقي إلى رتبة فريق، وعُيّن وزيرًا للحربيّة عام 1857، ثم شغل منصب رئيس وزراء تونس عام 1870. و في 1878 شغل خير الدين منصب الصدر الأعظم للدولة العثمانية، ثم نال عضوية مجلس الأعيان في إسطنبول.
التجربة السياسيةبعد أن تلقى تعليمه في الزيتونة وتضلع في الفكر والعلوم الشرعية، اهتم خير الدين باشا بدراسة عوامل التطور في أوروبا وأسباب التخلف في الدول الإسلامية.
وقد عهد إليه بإصلاح قطاعي التعليم والزراعة في تونس.
وخلال هذه الفترة حاول القيام بإصلاحات أخرى منها تحسين ميناء حلق الواد، وإنشاء مصنع بخاري للسفن وتعزيز شبكة الطرق للربط بين مختلف مناطق تونس، وسن تشريعات تخدم الإصلاح والتطور.
كان خير الدين باشا محبا للإصلاح حيث أيد وثيقة عهد الأمان التي صدرت عام 1857، وأقرت تساوي التونسيين في الحقوق. وساهم عام 1861 في وضع قوانين المجلس الأكبر (مجلس الشورى) المكون من ستين عضوا وتولى رئاسته.
اعترضت خططه وأفكاره مجموعة من العراقيل على رأسها استشراء الفساد في أوساط المسؤولين، فخلص إلى أن جهوده لن تجدي نفعا ضمن محيط فاسد.
وقد وصف هذه المرحلة بالقول "لقد حاولت أن أسير بالأمور في طريق العدالة والنزاهة والإخلاص، فذهب كل مسعاي سدى، ولم أشأ أن أخدع وطني الذي تبناني بتمسكي بالمناصب".
اعتزل العمل الرسمي عام 1862، وعكف سنوات على قراءة كتب السياسة والفكر. و في عام 1871 عاد خير الدين للمشهد السياسي رئيسا لجنة مراقبة المالية، وبعد عامين عين رئيسا لوزراء تونس. وقد نفذ خلال توليه هذا المنصب مشاريع عديدة حيث أصلح نظام الضرائب وعمل على تطوير التعليم وتشجيع زراعة الزيتون والنخيل.
وظل رئيسا لوزراء تونس حتى 1877 حيث استقال من منصبه وغادر إلى تركيا، وشغل هناك منصب الصدر الأعظم للدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني. وقد استقال من هذا المنصب عام 1879، ونال عضوية مجلس الأعيان في العام نفسه واحتفظ بها حتى وفاته.
وإلى جانب تجربته الإدارية والسياسية التي جعلته من أبرز شخصيات الدولة العثمانية، كان لخير الدين التونسي حضور بارز في مجالات السياسة والفكر وعلوم الشرع.
وقد نادى بالتجديد الفقهي عبر الاجتهاد. وألحّ على توفير الحريّة في المجتمع، باعتبارها منفذًا هامًّا لاجتثاث التخلّف.
وعرف عن خير الدين دعمه للمبادرات الإصلاحية وحثه على العدل والمساواة بين المواطنين وإصلاح أنظمة الحكم، وقد نادى بمقاومة الدكتاتوريّة لكنه ظل متمسكا بنظام الخلافة.
في الجانب الاقتصادي أشاد بالنظام الرأسمالي ورأى أنه يؤدي للنموّ وازدهار العمران.
وقد تأسست الحركة الإصلاحية عند خير الدين التونسي على نقطتين أساسيتين، الأولى هي التجديد والاجتهاد في الشريعة بما يتلاءم مع ظروف العصر وأحوال المسلمين دون الخروج عن ثوابت الشريعة.
والثانية ضرورة الأخذ بالمعارف وأسباب العمران الموجودة في أوروبا وركز في هذا الإطار على النهوض بالتعليم ونشر الوعي حيث أسس المدرسة الصادقية نسبة إلى الباي محمد الصادق وأدخلها فيها تدريس العلوم الحديثة إلى جانب علوم الدين واللغة العربية كما طور التعليم في جامع الزيتونة وأنشأ المكتبة العبدلية.
المؤلفات من أهم مؤلفات خير الدين التونسي "أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك"، و"دراسة الأسس التي قامت عليها المدنيّة الغربيّة". وكتب سيرته الذاتيّة تحت عنوان "إلى أولادي: مذكّرات حياتي الخاصّة والسياسية".
الوفاة توفي خير الدين باشا في إسطنبول عام 1890، ودفن في جامع أيوب، وفي 1968 نقل رفاته إلى تونس ودفن في مقبرة الجلاز.