هذه جملة من الآثار في زهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) وما لقي من خشونة عيش، انتقيتُها من أصحِّ ما رُوِيَ في دواوين السُّنة وما حَوَتهُ كتبُ الزُّهدِ والرقائق. وقد أَردَفتُ كلَّ أثرٍ بمعاني غَرِيبِه، مع تَفسيرِ وَجهِ الشاهد وَفْقَ الحاجة، وخَرَّجتُه في الحاشية مع بيان دَرَجَتِه، مُعَوِّلًا على أحكامِ الحُفَّاظِ، وما لم أقف على حكمِهِ عَوَّلتُ في الحُكمِ على رجالِهِ واتّصال إسنادِه ظاهرًا على «تهذيب الكَمال» للحافظِ جمالِ الدين المِزِّيّ، وعلى «تهذيب التهذيب» وتقريبه - وكلاهما للحافظ ابن حجرٍ العسقلاني-، وعلى غيرها. ومتى كان رواته دون درجة الثِّقاة أو كان مُرسَلًا ذكرتُ ذلك في الحاشية، وربما أوردت ما فيه ضعفٌ يسيرٌ محتَمَلٌ وبيَّنت ذلك.
1- عَنْ أسلَمَ العَدَويِّ قَالَ: أَصَابَ النَّاسَ سَنَةٌ غَلا فِيهَا السَّمْنُ، وَكَانَ عُمَرُ يَأْكُلُ الزَّيْتَ؛ فَيُقَرْقِرُ بَطْنُهُ، فَيَقُولُ: « قَرْقِرْ مَا شِئْتَ، فَوَاللَّهِ، لا تَأْكُلُ السَّمْنَ حَتَّى يَأْكُلَهُ النَّاسُ»، ثُمَّ قَالَ: «اكْسِرْ عَنِّي حَرَّهُ بِالنَّارِ، فَكُنْتُ أَطْبُخُهُ لَهُ فَيَأْكُلُهُ».
2- وعَنْ أَبي بكرةَ (رضي الله عنه)، قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِخُبْزٍ وَزَيْتٍ، فَجَعَلَ يَأْكُل مِنْهُ وَيَمْسَحُ بَطْنَهُ، وَيَقُولُ: «وَاللَّهِ لَتُمَرَّنُنَّ أَيُّهَا الْبَطْنُ عَلَى الْخُبْزِ وَالزَّيْتِ مَا دَامَ السَّمْنُ يُبَاعُ بِالأَوَاقِيِّ».
3- وعَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ (رضي الله عنه) قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُتْبَةُ [بن فرقد السلمي] (رضي الله عنه) أَذْرِبِيجَانَ أُتِيَ بِالْخَبِيصِ فَأَمَرَ بِسَفْطَيْنِ عَظِيمَيْنِ فَصُنِعَا لَهُ مِنَ الْخَبِيصِ، ثُمَّ حُمِلَ عَلَى بَعِيرٍ فَسَرَّحَ بِهِمَا إِلَى عُمَرَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى عُمَرَ ذَاقَهُ، فَوَجَدَهُ شَيْئًا حُلْوًا، فَقَالَ: «كُلُّ الْمُسْلِمِينَ يَشْبَعُ مِنْ هَذَا فِي رَحْلِهِ؟ قَالَ: لا، قَالَ: فَلا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ، فَأَطْبَقَهُمَا وَرَدَّهُمَا عَلَيْهِ، ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ: أَمَّا بَعْدُ: فَلَيْسَ مِنْ كَدِّ أَبِيكَ وَلا مِنْ كَدِّ أُمِّكَ فَأَشْبِعِ الْمُسْلِمِينَ مِمَّا تَشْبَعُ مِنْهُ فِي رَحْلِكَ، قَالَ: وَإِيَّاكُمْ وَزِيَّ الأَعَاجِمِ وَنَعِيمَهَا وَعَلَيْكُمْ بِالْمَعْدِيَّةِ».
غريب الأثر: الْخَبِيص: الحَلْواء المَخْبُوصة. والسَّفْط: وعاء. وعليكم بِالْمَعْدِيَّةِ: عليكم بخشونةِ اللِّباس والعيش.
4- وقَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ (رضي الله عنه): «رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ رَقَّعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ أُرَاهُ أَرْبَعَ رِقَاعٍ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ».
5- وقَالَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ (رضي الله عنها): «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ لَبِسْتَ ثَوْبًا هُوَ أَلْيَنُ مِنْ ثَوْبِكَ، وَأَكَلْتَ طَعَامًا هُوَ أَطْيَبُ مِنْ طَعَامِكَ؛ فَقَدْ وَسَّعَ اللَّهُ (عز وجل) مِنَ الرِّزْقِ وَأَكْثَرَ مِنَ الْخَيْرِ»، قَالَ: إِنِّي سَأَخْصِمُكِ إِلَى نَفْسِكِ، أَمَا تَذْكُرِينَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلْقَى مِنْ شِدَّةِ الْعَيْشِ؟ فَمَا زَالَ يُذَكِّرُهَا حَتَّى أَبْكَاهَا، فَقَالَ لَهَا: «إِنْ قُلْتُ لَكِ ذَاكَ إِنِّي وَاللَّهِ لَئِنِ اسْتَطَعْتُ أُشَارِكَنَّهُمَا بِمِثْلِ عَيْشِهِمَا الشَّدِيدِ لِعَلِّي أُدْرِكُ مَعَهُمَا عَيْشَهُمَا الرَّخِيَّ».
6- عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، قَالَ: لَمَّا بَعَثَ عُمَرُ حُذَيْفَةَ إِلَى الْمَدَائِنِ، رَكِبُوا إِلَيْهِ لِيَتَلَقَّوْهُ فَتَلَقَّوْهُ عَلَى بَغْلٍ تَحْتَهُ إِكَافٌ، وَهُوَ مُعْتَرِضٌ عَلَيْهِ رِجْلَيْهِ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، فَلَمْ يَعْرِفُوهُ فَأَجَازُوهُ، فَلَقِيَهُمُ النَّاسُ فَقَالُوا: أَيْنَ الأَمِيرُ؟ قَالُوا: هُوَ الَّذِي لَقِيتُمْ، فَرَكَضُوا فِي أَثَرِهِ فَأَدْرَكُوهُ فِي يَدِهِ رَغِيفٌ وَفِي الأُخْرَى عَرْقٌ، وَهُوَ يَأْكُلُ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى عَظِيمٍ مِنْهُمْ فَنَاوَلَهُ الْعَرْقَ وَالرَّغِيفَ، قَالَ: فَلَمَّا غَفَلَ حُذَيْفَةُ أَلْقَاهُ أَوْ قَالَ أَعْطَاهُ خَادِمَهُ.
غريب الأثر: الإكاف: مثل الرَّحْل الذي يوضع على الإبل. والعَرق: عظمٌ عليه لحم.
7- وأَرْسَلَ سَعْدٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِجَارِيَةٍ تَخْبِزُ الْحُوَّارى، فَأَمَرَ لَهَا بِأَرْبَعَةِ آصُعٍ، فَقَالَ: لا تَحُولُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ شَيْءٍ تُرِيدُهُ. قَالَ: لأَنَّهُ قَدْ كَانَ نَهَى عَنِ الْمَنْخَلِ فَقَدَّسَتْهُ ثُمَّ طَحَنَتْهُ، ثُمَّ عَزَلُوا نِخَالَتَهُ وَمَا خَرَجَ، ثُمَّ خَبَزَتْهُ فَجَاءَتْ بِهِ وَقَدْ أَجَادَتْ عَمَلَهُ كَأَنَّهُ الْبَيْضُ، وَقَدْ كَانَ أَمَرَنَا أَنْ نَجْمَعَ مَا خَرَجَ مِنْهُ فَأَتَيْتُهُ بِهِ، فَقَالَ: أَفْسَدْتِ عَلَيْنَا طَعَامَنَا، وَلا تَخْبِزِي لِي أَبَدًا.
غريب الأثر: خبز الحُوَّارَى: هو الذي نُخِل مرّةً بعد مرّةً، من التَّحوير: التّبييض، وهو أجود أنواع الخبز. والآصُع جمع صاع: مكيال يوزن به الطعام. والتَّقدِيسُ: التّنقية.
8- وعن يَسَارِ بْنِ نُمَيْرٍ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا نَخَلْتُ لِعُمَرَ دَقِيقًا قَطُّ إِلا وَأَنَا لَهُ عَاصٍ.
9- وعَنْ أَسلَمَ العدوي، قَالَ: « كَانَ عُمَرُ يَنْهَانَا أَنْ نَتَّخِذَ الْمَنْخَلَ وَيَقُولُ: إِنَّمَا عَهْدُنَا بِالشَّعِيرِ حَدِيثٌ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ تَأْكُلُوا سَمْرَاءَ الشَّامِ حَتَّى تَنْخِلُوهُ؟!».
غريب الأثر: سَمراءُ الشَّام: القمح الشَّامي.
10- وعَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: «حَجَجْتُ مَعَ عُمَرَ، فَمَا رَأَيْتُهُ ضَرَبَ فُسْطَاطًا حَتَّى رَجَعَ، قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: كَانَ يَسْتَظِلُّ بِالنَّطْعِ وَالْكِسَاءِ».
غريب الأثر: الفُسْطَاط: بَيت يُتَّخذُ من الشَّعْر. والنَّطع: الجلد.
11- وعَن طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: «لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ الشَّامَ أُتِيَ بِبِرْذُونٍ فَرَكِبَهُ، فَهَزَّهُ فَنَزَلَ عَنْهُ، فَعَرَضَتْ لَهُ مَخَاضَةٌ فَنَزَلَ عَنْ بَعِيرِهِ، وَأَخَذَ بِخِطَامِهِ وَنَزَعَ مُوقَيْهِ فَأَخَذَهُمَا بِيَدَيْهِ وَخَاضَ الْمَاءَ، فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: صَنَعْتَ الْيَوْمَ صَنِيعًا عَظِيمًا عِنْدَ أَهْلِ الأَرْضِ، فَصَكَّ عُمَرُ فِي صَدْرِهِ فَقَالَ: إِنَّهُ لَوْ غَيْرُكَ يَقُولُ هَذَا، إِنَّكُمْ كُنْتُمْ أَقَلَّ النَّاسِ وَأَذَلَّ النَّاسِ وَأَضْعَفَهُ، فَأَعَزَّكُمُ اللَّهُ بِالإِسْلامِ، فَمَهْمَا تَطْلُبُوا الْعِزَّ بِغَيْرِه يُذِلُّكُمْ».
غريب الأثر: البرذون: غير العربي من الخيل أو البغال. المخاضة: موضعٌ ضحلُ الماءِ يخوض فيه الناس مشاة أو ركبانًا. الموق: خُفٌّ غَليظٌ يُلبَسُ فوق الخُفّ.
12- وعَن أَسلَمَ العَدويِّ، قَالَ: «خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا كُنَّا بِأَدْنَى الرِّيفِ، وَدَنَوْنَا مِنْهَا نَزَلَ عُمَرُ فَذَهَبَ لِحَاجَتِهِ، فَجَاءَ وَقَدْ أَقْلَبْتُ فَرْوَتِي وَأَلْقَيْتُهَا بَيْنَ شُعْبَتَيِ الرَّجُلِ فَرَكِبَ بَعِيرِي وَرَكِبْتُ بَعِيرَهُ فَاطَّلَعَ أُنَاسٌ فَقَالُوا: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قُلْتُ: هَذَا، فَجَعَلُوا يَتَرَاطَنُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلاءِ لا يَرَوْنَ عَلَيْنَا بِزَّةَ قَوْمٍ غَضِبَ اللَّهُ فِيهَا، فَأَعْيُنُهُمْ تَزْدَرِينَا، ثُمَّ سَارَ حَتَّى لَقِيَهُ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأُمَرَاءُ الأَجْنَادِ. فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ تَقْدِمُ عَلَى قَوْمٍ حَدِيثُ عَهْدٍ بِكُفْرٍ، قَالَ: فَمَهْ؟ قَالَ: تُؤْتَى بِدَابَّةٍ فَتَرْكَبُهَا. قَالَ: مَا شِئْتُمْ، فَأُتِيَ بِبِرْذُونٍ فَرَكِبَهُ، فَجَعَلَ الْبِرْذَوْنُ يُحَرِّكُهُ، وَجَعَلَ عُمَرُ يَضْرِبُهُ وَيَضربُ وَجْهَهُ وَلا يَزِيدُهُ إِلا مَشْيًا، فَقَالَ لِسَائِسِ الدَّابَّةِ: مَا يَنْقِمُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ؟! ثُمَّ نَزَلَ. فَقَالَ: مَا حَمَلْتُمُونِي إِلا عَلَى شَيْطَانٍ، وَمَا نَزَلْتُ عَنْهُ حَتَّى أَنْكَرْتُ نَفْسِي، قَرِّبُوا بَعِيرِي، فَرَكِبَهُ ثُمَّ اعْتَزَلَ النَّاسَ. ثُمَّ سَارَ حَتَّى لَقِيَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ عَلَى بَعِيرٍ قَدِ اخْتَطَمَهُ بِحَبْلٍ أَسْوَدَ، فَلَمَّا رَآهُ عُمَرُ تَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ: أَخِي، لَعَمْرِي لَمْ تُغَيِّرْكَ الدُّنْيَا بَعْدِي وَدَخَلا. فَلَمَّا نَزَلَ جَاءَهُ صَاحِبُ الأَرْضِ، فَأَعْطَاهُ عُمَرُ قَمِيصَهُ لِيَغْسِلَهُ وَيُرَقِّعَهُ، وَقَطَعَ قَمِيصًا جَدِيدًا آخَرَ فَآتَاهُ بِهِ وَقَدْ أَعَدَّ قَمِيصَهُ فَأَعْطَاهُ الْجَدِيدَ، فَرَدَّهُ إِلَيْهِ وَقَالَ: ائْتِنِي بِقَمِيصِي، فَنَاوَلَهُ إِيَّاهُ».
غريب الأثر: الرَّطن: الكلام بلغة أعجمية أو غير مفهومة. البِزّة: الْهَيْئَةُ والشَّارةُ واللِّبْسَةُ، كأنَّه أراد هيئة العجم. تزدرينا: تحتقرنا. واختطمه: شد حبلًا على أنفه.
فصل: في ورع عمرَ (رضي الله عنه):
عَنْ عُمَرَ بن الخطّابِ (رضي الله عنه)، قَالَ: «إِنَّهُ لا أَجِدُهُ يَحِلُّ لِي أَنْ آكُلَ مِنْ مَالِكُمْ هَذَا، إِلا كَمَا كُنْتُ آكُلُ مِنْ صُلْبِ مَالِي: الْخُبْزَ وَالزَّيْتَ، وَالْخُبْزَ وَالسَّمْنَ»، قَالَ عاصمُ بنُ عمرَ: «فَكَانَ رُبَّمَا يُؤْتَى بِالْجَفْنَةِ قَدْ صُنِعَتْ بِالزَّيْتِ، وَمِمَّا يَلِيهِ مِنْهَا سَمْنٌ، فَيَعْتَذِرُ إِلَى الْقَوْمِ، وَيَقُولُ: "إِنِّي رَجُلٌ عَرَبِيٌّ، وَلَسْتُ أَسْتَمْرِئُ الزَّيْتَ».
غريب الأثر: الجَفنَة: إناء من خشب.
فصل: في حملِ عُمرَ (رضي الله عنه) أبناءَه على الوَرَع:
عَنِ ابْنِ عُمَرَ (رضي الله عنه)، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (رضي الله عنه)، قَالَ: «كَانَ فَرَضَ لِلْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَرْبَعَةَ آلَافٍ فِي أَرْبَعَةٍ، وَفَرَضَ لِابْنِ عُمَرَ ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَخَمْسَ مِائَةٍ، فَقِيلَ لَهُ: هُوَ مِن الْمُهَاجِرِينَ فَلِمَ نَقَصْتَهُ مِنْ أَرْبَعَةِ آلَافٍ، فَقَالَ: إِنَّمَا هَاجَرَ بِهِ أَبَوَاهُ، يَقُولُ: لَيْسَ هُوَ كَمَنْ هَاجَرَ بِنَفْسِهِ».
فصل: في اختبارِ عُمَرَ (رضي الله عنه) لزُهْدِ مجاهديه:
عَنْ أَنَسٍ (رضي الله عنه)، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، احْمِلْنِي فَإِنِّي أُرِيدُ الْجِهَادَ، فَقَالَ عُمَرُ لِرَجُلٍ: خُذْ بِيَدِهِ فَأَدْخِلْهُ بَيْتَ الْمَالِ يَأْخُذُ مَا شَاءَ، فَدَخَلَ فَإِذَا هُوَ بَيْضَاءُ وَصَفْرَاءُ، فَقَالَ: «مَا هَذَا؟ مَا لِي فِي هَذَا حَاجَةٌ؛ إِنَّمَا أَرَدْتُ زَادًا وَرَاحِلَةً»، فَرَدُّوهُ إِلَى عُمَرَ فَأَخْبَرُوهُ بِمَا قَالَ، فَأَمَرَ لَهُ بِزَادٍ وَرَاحِلَةٍ، وَجَعَلَ عُمَرُ يُرَحِّلُ لَهُ بِيَدِهِ، فَلَمَّا رَكِبَ رَفَعَ يَدَهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا صَنَعَ بِهِ، وَأَعْطَاهُ قَالَ: وَعُمَرُ يَمْشِي خَلْفَهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَدْعُوَ لَهُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: «اللَّهُمَّ وَعُمَرَ فَاجْزِهِ خَيْرًا»، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى رَحْلِهِ.